العطاء المفرط… الوجه المظلم لفضيلة نبيلة بقلم: نهله محمد علي روق

كاتب صحفي
By -
0

 العطاء المفرط… الوجه المظلم لفضيلة نبيلة

بقلم: نهله محمد علي روق

مدرب معتمد في تطوير الذات ورفع الوعي

كوتش معتمد في المساعدة الذاتية

أخصائي دعم نفسي معتمد

أخصائي إرشاد زواجي وأسري



في عالم يمتلئ بالضغوط والمتطلبات وتقل فيه المشاعر الحقيقية، يبقى العطاء واحدًا من أنبل القيم التي تميّز الإنسان.

لكن، مثل كل شيء جميل، إن تجاوز حدّه انقلب إلى نقيضه… فالعطاء الذي يُراد به الخير قد يتحوّل—دون أن تشعر—إلى نزيف للطاقة، وانطفاء للروح، وحق مكتسب عندما يكون مفرطًا، و من ثَمّ تَرَى الوجه المظلم لقيمة نبيلة دون وعي منّك.

لأنك تعطي على حساب صحتك النفسية والجسدية…

وتتحمّل ما لا تطيق حتى لا يغضب أحد…

وتقدّم وتساند في كل وقت بينما لا يساندك أحد…

وتشعر بالذنب إن قلت “لا”…

ويبدأ الآخرون في استغلالك دون تقدير…

عند هذه اللحظة يتوقف العطاء عن كونه فعلًا نبيلاً، ويصبح نزيفًا مستمرًا للطاقة، ويتحوّل المانِح إلى شخص مُستنزَف، مُرهق، غير قادر على الاستمرار، وربما غاضب داخليا دون أن يعترف بذلك.

وغالبًا لا يأتي العطاء الزائد من قوة… بل من جرح قديم أو احتياج غير معترف به.

فنحن نخشى فقدان الحب، نبحث عن القبول، نريد إصلاح الجميع، ونتجنب أن نكون سببًا في خيبة أحد، أو نحاول أن نثبت أننا “جيدون بما يكفي” عبر تقديم المزيد.

وهنا، عندما نعطي من مساحة احتياج لا من مساحة قوة، ينقلب العطاء إلى وسيلة نبحث بها عن الأمان بدل أن يكون تعبيرًا عن وفرة داخلية… لتبدأ رحلة التآكل النفسي واستنزاف الطاقة اللانهائية.

و فى السطور المقبلة سنطرق بابًا مهمًا من أبواب الوعى من خلال الإجابة على التساؤل " كيف اكتشف إننى أعانى من العطاء المفرط؟"

إليك هذه العلامات:

• تشعر بالذنب كلما حاولت قول "لا" حتى لو كنت مُرهقًا.

• تضع احتياجات الجميع قبل احتياجاتك… حتى وأنت الأكثر احتياجًا للدعم.

• تخاف من فقدان الآخرين إذا توقفت عن العطاء وكأن قيمتك مرتبطة بما تقدمه لا بما أنت عليه.

• تتجاهل إشارات التعب الجسدي والنفسي لتلبي طلبات الآخرين على حساب صحتك.

• علاقاتك غير متوازنة: أنت تعطي والآخرون يأخذون دون مقابل أو تقدير.

• تشعر أنك مسؤول عن إسعاد الجميع وإصلاحهم.

• تتجنب المواجهة أو طلب ما تحتاجه خشية إزعاج الآخرين.

• تشعر بالاستنزاف لأن عطاءك غير متوازن… فالعطاء الطبيعي يمنح طاقة، أما الزائد فيسحبها منك.

• تقديرك لذاتك مبني على ما تقدمه، لا على من أنت.

• تتوقع أن يفهم الآخرون تعبك دون أن تعبّر، وتغضب في داخلك لعدم تقديرهم لك.


هذه العلامات تقول إن العطاء خرج عن مساره الطبيعي… وأن الوقت قد حان لاستعادة توازنك ووعيك واحتياجاتك النفسية والجسدية.



ومن هنا تبدأ رحلة التعافي…

رحلة تعيدك إلى ذاتك، لا لتتوقف عن العطاء، بل لتتعلم كيف تعطي دون أن تُفقد نفسك في الطريق.


و خطوة اكتشافك أنك تعطي أكثر مما تستطيع ليست نهاية الطريق… بل بدايته.

و العطاء المفرط لا يُشفى بالمنع، بل بالفهم والوعي.


لذلك ابدأ بالاعتراف بأن لك حدودًا يجب احترامها.

ثم تعلّم قول “لا” دون ذنب، باعتبارها حماية لطاقتك لا رفضًا للآخرين.

وأعد ترتيب دوائرك، فاقترب ممّن يقدّرون حضورك، وابتعد عمّن اعتاد الأخذ دون مقابل.


ومع الوقت، تتخلى عن وهم أنك مسؤول عن سعادة الجميع، وتعيد توجيه جزء من رعايتك نحو نفسك، راحتك، صحتك، احتياجاتك التي طالما وضعتها في آخر القائمة.

لأن التعافي من العطاء المفرط ليس تغييرًا في شخصيتك، بل عودة إلى نفسك، إلى توازنك، إلى احترام حدودك، وإلى إدراك أنك تستحق الحب لمجرد أنك أنت… وليس لما تقدمه.


فاختر نفسك بوعي،واحمِ طاقتك بحب،

وأعطِ الآخرين دون أن تفقد نفسك في الطريق.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)