جرائم الأحداث وتشديد العقوبات… هل الاتفاقيات الدولية عائق فعلي؟
كتب المستشار /أحمد عاطف عامر
شهدت مصر مؤخرًا موجة من الجرائم البشعة التي ارتكبها قُصَّر لم يبلغوا الثامنة عشرة، هزّت الرأي العام وأثارت جدلًا واسعًا. من بينها جرائم قتل مقترنة باعتداءات جنسية أو تعذيب، مثل قتل والدة عشيقة أحدهم بتهشيم رأسها، أو تقييد طفل لصديقه وقتله ثم تقطيع جثته، أو قتل طفلة داخل حمام سباحة بعد الاعتداء عليها. جرائم كهذه لو ارتكبها بالغ لكان جزاؤه الإعدام وفقًا لقانون العقوبات المصري نظرًا لظروفها المشددة.
هذا الواقع دفع كثيرين للتساؤل: إذا كان بعض القُصَّر يمارسون هذا القدر من العنف قبل بلوغهم سن الرشد، فكيف سيكون الحال بعد اكتمال نضجهم؟ ومن هنا تعالت الأصوات المطالبة بتشديد العقوبات على الأحداث في الجرائم الجسيمة.
اتفاقية حقوق الطفل… أين يقف الحد القانوني؟
تنص المادة الأولى من الاتفاقية على أن الطفل هو كل من لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، "ما لم ينص القانون الوطني على غير ذلك"، أي أن الدول تملك سلطة تحديد سن المسئولية الجنائية وفق ظروفها.
الاتفاقية تحظر فقط:
- إعدام القُصَّر.
- السجن المؤبد غير القابل للإفراج مطلقًا.
لكنها لا تمنع:
- خفض سن المسئولية الجنائية.
- تشديد العقوبات مع ضمان إمكانية الإفراج أو المراجعة القضائية.
- تأجيل المحاكمة حتى بلوغ سن الرشد.
- توقيع عقوبة المؤبد المشدد مع ضوابط الإفراج.
وبالتالي، لا يوجد تعارض بين الاتفاقية ورغبة المجتمع في مواجهة الجرائم البشعة بعقوبات أكثر صرامة.
القانون المصري بين الردع والالتزامات الدولية
القانون المصري يتيح الإفراج الشرطي عن المحكوم بالمؤبد بعد 20 عامًا، وقد يشمله العفو بعد 15 عامًا. ومع ذلك، هناك بدائل تشريعية مشروعة لا تتعارض مع الدستور أو الاتفاقيات الدولية، مثل:
- خفض سن المسئولية الجنائية إلى 15 عامًا بدلًا من 18.
- تعديل العقوبات لتشمل مؤبدًا طويل المدة دون إفراج مبكر.
- تأجيل محاكمة الحدث في الجرائم الجسيمة لحين بلوغه سن الرشد.
- تشديد التدابير الاحترازية وبرامج إعادة التأهيل.
هذه الإجراءات تحقق الردع وتحافظ على أمن المجتمع.
تجارب دولية… الولايات المتحدة نموذجًا
رغم التزامها بعدم إعدام القُصَّر، تُعد الولايات المتحدة من أكثر الدول تشددًا في التعامل مع الأحداث مرتكبي الجرائم الجسيمة. أمثلة بارزة:
- Evan Miller (14 عامًا): قتل وحرق الضحية، حُكم بالمؤبد دون إفراج.
- Kuntrell Jackson (14 عامًا): شارك في جريمة قتل أثناء سرقة، حُكم بالمؤبد دون إفراج.
- Lionel Tate (12 عامًا): قتل طفلة، أُدين بالمؤبد.
- Eric Smith (13 عامًا): قتل طفلًا بوحشية، قضى 27 عامًا في السجن.
- Joshua Phillips (14 عامًا): قتل طفلًا، حُكم بالمؤبد دون إفراج.
- Kip Kinkel (15 عامًا): قتل والديه وأطلق النار على مدرسته، حُكم بـ111 عامًا.
- Barry Loukaitis (14 عامًا): قتل ثلاثة أشخاص داخل مدرسة، حُكم بالمؤبد + 206 سنوات.
هذه القضايا تؤكد أن الدول المتقدمة لا تتهاون مع الأحداث الذين يرتكبون جرائم وحشية، وتعتبرهم مسئولين عن أفعالهم مع توفير ضمانات قانونية
الخلاصة: الردع والوقاية معًا
التشريعات المصرية تملك كامل الحق في:
- خفض سن المسئولية الجنائية.
- تشديد عقوبات القتل المقترن بالاعتداءات الجنسية أو التعذيب.
- تقييد الإفراج الشرطي في الجرائم الجسيمة.
كل ذلك لا يتعارض مع اتفاقية حقوق الطفل أو الالتزامات الدولية. لكن العقاب وحده لا يكفي؛ فالمجتمع بحاجة إلى تعزيز الوعي لدى القُصَّر، وتفعيل الرقابة الأسرية، ودور المدرسة والإعلام في الوقاية من الانحراف قبل وقوعه.
فالتشريع يردع، لكن الوقاية هي التي تحمي.


إرسال تعليق
0تعليقات