مستقبل النظام الدولي القائم على القواعد: قراءة استشرافية

الدكتور
By -
0


ا د علي احمد جاد بدر.    استاذ العلوم السياسية 


يشكّل مفهوم النظام الدولي القائم على القواعد (Rules-Based International Order) إحدى الركائز التي يتم الترويج لها منذ نهاية الحرب الباردة باعتبارها الضامن للاستقرار والأمن العالميين، غير أن هذا المفهوم يواجه اليوم التحديات المتصاعدة مع التحولات الجيوسياسية، وصعود القوى الجديدة، واحتدام الصراع بين الغرب من جهة، والقوى الصاعدة كالصين وروسيا ودول الجنوب العالمي من جهة أخرى، ومن هنا تبرز أهمية استشراف مستقبل هذا النظام ومحاولة قراءة اتجاهاته.
والنظام القائم على القواعد يواجه أزمة ثقة عميقة، فالكثير من الدول ترى أن هذه القواعد لم تكن يوماً محايدة أو عادلة، بل صيغت بما يخدم مصالح القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون، إذ غالباً ما تُطبَّق بشكل انتقائي فتُستخدم لإدانة بعض الدول بينما تُتجاهل انتهاكات الدول الأخرى، وهذا التناقض أدى إلى تآكل شرعية النظام في نظر العديد من الفاعلين الدوليين.
ومع بروز قوى مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، نشأت المبادرات البديلة مثل مجموعة بريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، والمؤسسات المالية الموازية للبنك الدولي وصندوق النقد، وهذه الكيانات تسعى لإعادة صياغة قواعد النظام الدولي أو على الأقل إيجاد الفضاءات الموازية التى تُقلّص من هيمنة الغرب، والمستقبل يشير إلى إمكانية تبلور نظام هجين، تتقاسم فيه المؤسسات الغربية التقليدية والنُظم الصاعدة مجال التأثير.
والذكاء الاصطناعي، والتحول الرقمي، والطاقة النظيفة، وسلاسل الإمداد العالمية، جميعها عناصر تعيد صياغة قواعد القوة، والدول التي ستضع معايير التكنولوجيا المستقبلية ستفرض قواعدها على بقية العالم، بما يجعل النظام القائم على القواعد مرهوناً بقدرة الفاعلين على التحكم في البنية التحتية التكنولوجية والاقتصادية.
والحروب المستمرة في أوكرانيا وغزة وأزمات تايوان وأفريقيا تكشف أن النظام الدولي لم ينجح في وضع آليات حقيقية لضبط الأمن الجماعي، والتحدي الأساسي أمام المستقبل هو: هل ستبقى القواعد أداة لتكريس الهيمنة؟ أم سيتم إعادة صياغتها لتصبح أكثر شمولاً وعدالة بما يضمن احترام سيادة الدول الصغيرة والضعيفة؟
وهنا تأتى سيناريوهات المستقبل وتتمثل في :
• بقاء الهيمنة الغربية لكن مع إدخال التعديلات الشكلية على القواعد لإضفاء الشرعية (الاستمرارية المعتدلة).
• التوازن النسبي بين القوى الكبرى وصياغة القواعد الجديدة الأكثر تعددية (النظام متعدد الأقطاب). 
• انهيار القواعد الحالية دون التوافق على بدائل، مما يؤدي إلى عالم قائم على القوة المجردة والتحالفات المؤقتة (الفوضى الدولية).
إذن مستقبل النظام الدولي القائم على القواعد مرهون بقدرته على استعادة الشرعية والشمولية، وإذا ظل حكراً على فئة محدودة من القوى، فسينحسر لصالح الأنظمة البديلة أو الفوضى العارمة، وأما إذا جرى تطويره ليصبح إطاراً عادلاً يشمل مختلف الفاعلين، فقد يتحول إلى ركيزة حقيقية للاستقرار العالمي في العقود القادمة.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)