سعاد خفاجي... حين يتحوّل التطوع إلى أسلوب حياة، والإعلام إلى أداة تغيير حقيقية

الدكتور
By -
0

في وقت أصبحت فيه المسؤولية المجتمعية ترفًا لدى البعض، تقف المخرجة والباحثة سعاد خفاجي كواحدة من النماذج الملهمة في العمل التطوعي، رافعة شعار: "التطوع مش وقت فاضي، التطوع هو اللي بيكمّل المعنى الحقيقي للحياة."

سعاد لا تكتفي بإخراج الكاميرا لتوثيق مشهد إنساني، بل تنزل بنفسها إلى الميدان، وتشارك بيديها، وبقلبها، في خدمة الناس، ونقل الصورة كما هي، نقية، مؤثرة، وملهمة.

■ من الهلال الأحمر إلى حياة كريمة: خطوات على طريق المسؤولية
بدأت رحلة سعاد التطوعية في الهلال الأحمر المصري، حيث تعلّمت أهمية الإنقاذ والإغاثة والوجود وقت الشدة، قبل أن تنضم لاحقًا إلى مبادرة حياة كريمة، المبادرة الأضخم في تاريخ مصر لتطوير الريف والمجتمع.

ولم يكن انضمامها لمبادرة "حياة كريمة" مجرد مشاركة، بل تولّت مسؤولية ملف الإعلام والميديا عن قطاع شرق القاهرة، حيث أدركت أن التوثيق الإعلامي ليس رفاهية، بل ضرورة.
تقول:
"لو ما وثقناش الجهد، الناس مش هتشوفه. ولو الناس مش شافته، مش هتشارك فيه. الإعلام بقى جزء من أي مبادرة، مش لاحق ليها، لكنه بيخلق وعي وبيفتح أبواب مشاركة حقيقية."

■ التوثيق الإعلامي: زراعة لثقافة التطوع
ترى سعاد أن الكاميرا قادرة على صنع فرق، ليس فقط في نقل الصورة، بل في زرع فكرة. فكل صورة لطفل بيضحك، أو أسرة بتتسلّم سقف جديد، أو شاب بيشارك في مبادرة، هي في الحقيقة دعوة غير مباشرة لمجتمع بأكمله كي يتحرك.

"الناس بتتأثر بالصورة أكتر من الكلام، والتوثيق مش بس للمؤرخين، التوثيق رسالة، وهو أول خطوة عشان التطوع يبقى ثقافة عامة مش جهد فردي."

■ "رائدات مصر"... حيث تتجلى المعركة الحقيقية: دعم المرأة لا كخصم، بل كسند
سعاد أيضًا متطوعة في مبادرة "رائدات مصر"، وهي من الكيانات التي تضع على عاتقها دعم المرأة المصرية وتمكينها، خاصة في القرى والمناطق المهمشة.
لكن نظرتها لدعم المرأة تختلف، فهي لا تؤمن بالمواجهة مع الرجل، بل بالشراكة معه.

تقول سعاد:
"مش عايزين نربّي بنات عشان يبقوا أقوى من الرجالة، ولا نعلمهم يتحدّوا المجتمع. إحنا عايزين ستات تقدر توقف جنب الراجل، وتكون سند ليه، وتربّي أجيال قوية، واعية، عارفة يعني إيه وطن ومسؤولية."

وترى أن دعم المرأة هو استثمار طويل المدى في وعي المجتمع كله، لأنها المربية، والمعلمة، وصانعة القيم الأولى.

■ التطوع ليس رفاهية... بل قوة ناعمة لبناء وطن قوي
في مجتمع يعاني من ضغوط اقتصادية واجتماعية، ترى سعاد أن التطوع هو العلاج الأقوى للفراغ والأنانية. فهو يُشعر الفرد بقيمته، ويُعيد له إحساس الانتماء، ويخلق مجتمعات مترابطة لا تعتمد فقط على الدولة، بل على طاقة أبنائها.

"أؤمن إن كل إنسان يقدر يطوّع مهاراته لصالح مجتمعه. اللي بيعرف يصوّر يوثّق، واللي بيعرف يسمع يدعم، واللي بيعرف يعلّم يشارك. مافيش حد صغير على التطوع، ولا موهبة مش مهمة."

الخلاصة
بين الكاميرا والناس، وبين المونتاج والميدان، تسير سعاد خفاجي بخطوات ثابتة، تحمل رسالة مفادها أن المرأة الواعية القوية ليست منافسًا للرجل، بل شريكته في بناء مجتمع متماسك.

هي لا تنتظر تكريمًا ولا شهرة، لكنها تعلّمنا أن أعظم إنجاز هو أن ترى في عين طفل بسمة ساعدتَ في صناعتها، أو في يد عجوز سقفًا حمى بيته، أو في فتاة فقيرة حلمًا بدأ يتحقق.

في تطوع سعاد خفاجي... تتجسد مصر الحقيقية: ميدان، وكاميرا، وقلب بيخدم.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)